السلام عليكم و رحمة الله:
هذه مقالة قرأتها في احى الجرائد و قد أعجبني محتواها و نظرة الكاتب اللاذعة فيها:
أدعكم مع المقالة:
بقلم: محمد حلمي عبد الوهاب
أوان الكويتية
عنوان مقالي هذا ليس من قبيل الجذب الصحفي وإنما هو مقصود بذاته، رغم المفارقة التي يتضمنها. وأنا شخصيا لا تضحكني كوميديا عادل إمام بقدر ما يضحكني رواد الكوميديا المصرية الأوائل أمثال: إسماعيل ياسين، ونجيب الريحاني، وعبدالفتاح القصري، وماري منيب وغيرهم. ولا حتى بنفس القدر الذي يضحكني عند مشاهدة الضاحك الباكي، المرحوم علاء ولي الدين، ببساطته المعهودة.
وعلى رغم أنني شاهدت أغلب أعمال عادل إمام، إلا أنني لا أجد من بينها جميعا ما يستحق المشاهدة، أو للإنصاف ما يمكن أن يطلق عليه عمل فني بامتياز، اللهم باستثناء فيلم «إحنا بتوع الأتوبيس»، ليس فقط بسبب مضمونه السياسي، فما أكثر الأفلام التي تصنف على أنها سياسية فيما هي غير فنية أصلا، وإنما لتحقيقه تلكم المعادلة الصعبة والمرور بالمشاهد في مساحة تقع ما بين الكوميديا السوداء والواقعية الشديدة.
إن أشد مالا يعجبني في عادل إمام على الإطلاق هو أن يلعب دور الخميني في عالم السينما والسياسة!!. لا أقصد بالطبع أن يقوم بتمثيل دور الخميني على الشاشة، وإنما أعني أن يتلبس دور آيات الله ويفتي في أمور دينية لا علم له بها.
ففي الوقت الذي يتخذ فيه الفنان الكبير موقفا حازما، إن لم يكن عدائيا، من ظاهرة «الفنانات المعتزلات والمحجبات»، خاصة من يتفرغن منهن للعمل الدعوي فيما بعد. وعلى رغم من قناعته الشخصية بأن لا دخل للدين مطلقا في الفن، وتلك وجهة نظره، قلما يترك فناننا مناسبة دون أن يعلن فيها عن قناعاته وآرائه بصورة أقل ما توصف بأنها جارجة لوجدان المشاهد المصري، بصفة خاصة على الأقل، بحكم تدينه.
ففي إحدى المرات استضاف برنامج تلفزيوني مصري الفنانة شهيرة بعد اعتزالها وتقديمها برنامجا تلفزيونيا بإحدى القنوات الدينية، وسُئلت بالطبع عن سبب اعتزالها للفن، فأرجعت ذلك لما ينطوي عليه عالم السينما من فساد وإفساد وبعد عن جوهر الرسالة الفنية. وما إن أنهت كلامها حتى هاتف الفنان الكبير البرنامج مغلظا على شهيرة رؤيتها هذه، محملا كلامها أكثر مما يستحق حتى كاد يسوي في مكالمته، أو هكذا خيل لي، ما بين رسالة الفن والرسالة المحمدية!!.
لكن الجديد الذي فاجأنا به الفنان الكبير حمَلهُ برنامج على إحدى القنوات المصرية كان حالا ضيفا به، وإذا به يتلبس فجأة لباس الفتوى وقال ما معناه: لا يوجد في الدين ما يوجب على الغني أن يعطي الفقير شيئا!!. يا الله!! لو سعينا لفهم منطوق كلامه فهما ظاهريا محضا لقلنا على الفور إنه يجنح إلى إلغاء فريضة الزكاة، بل وإلى ما هو أكبر من ذلك، نفي «العدالة الاجتماعية»، تلك التي تعبر في مضمونها عن جوهر الإسلام إلى جانب عقيدة التوحيد.
لكننا لن نتبع نفس منهجه ونحمّل كلامه أكثر مما يستحق ونكتفي بسؤاله: من أين لك بهذا الإلهام؟! وهل نسيت يوم أن كنت مجرد خريج حديث من كلية الزراعة، جامعة القاهرة، وعانيت من جراء البطالة والفاقة والحرمان؟!. وإذا كانت هذه هي قناعاتك الخاصة، فالأفضل لك أن تحتفظ بها لنفسك، وألا تمنح السائلين شيئا فذاك شأنك الخاص، أما أن تعلن ذلك على الملأ وأمام مالا يقل عن 45 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، فتلك مصيبة كبرى.
هل نسي فناننا الكبير أغلب الأدوار التي قام بها والتي بدا فيها فلاحا بسيطا قادما من الريف إلى القاهرة بضوضائها وضجيجها وفساد ساستها؟!. وهل خرج، بعد أن تصدر المشهد الفني والاجتماعي وربما الاقتصادي، من عباءة: «المتسول» و«الهلفوت» و «الواد محروس بتاع الوزير» و«الإرهاب والكباب» و«سلام يا صاحبي» و«رجب فوق صفيح ساخن» و«رمضان فوق البركان»...إلخ، وكلها أدوار تعكس مدى البؤس الذي يعيشه أغلبية المصريين فيما تنعم الأقلية بالثراء الفاحش، والناتج في الغالب عن نهب وسرقة أموال الدولة؟!.
أين كانت تصريحاتك هذه وقت أن تم القبض على صهرك، أحد كوادر الإخوان المسلمين، ولم تنبس ببنت شفة؟!، وأين كانت هذه الانتقادات اللاذعة حين استنجدت بك والدة قتيل قرية «شها» التي ولدت بها وترعرعت فيها، حين مات ابنها من جراء التعذيب بأحد أقسام الشرطة وأرسلت إليك رسالة عبر الصحافة تقول فيها: «الآن جاء دورك يا ابن قريتنا لتدافع عن حق محمد الضائع حتى ينال ضباط الشرطة القاتلون عقابهم»؟!. لمْ تتدخل لا في هذه ولا في تلك لأسباب تعلمها ونعلمها جيدا، فقد عودتنا منذ أمد بعيد أنك توجد دائما في المكان والزمان اللذين تحتاجك السلطة فيهما. أما المقدسات الدينية فقد أوسعتها ضربا وسخرية في أغلب أعمالك، وها أنت الآن تعيش دور الخميني مرة أخرى من خلال تصريحاتك.
مفارقة أخرى يتضمنها فيلم «حسن ومرقص»، أحدث أفلام الفنان الكبير. ففي حين حملت معظم أعماله إهانة مباشرة لرجال الدين المسلمين، دون أن تطرف له عين، أصيب فناننا بالهلع حين عرض عليه تجسيد دور «قس» في فيلمه الأخير. وسرعان ما حمل السيناريو وهرع به إلى البابا شنودة يطلب منه النصح والإرشاد وجلس أمامه ساعات طوال شارحا حينا وصامتا أحيانا أخرى. وهو في كل أولئك، يؤكد للبابا أن الفيلم لا يمس العقيدة المسيحية في شيء، كما أنه يبجل رجل الدين المسيحي ولا يسيء إليه هو الآخر في شيء. ومن ثم لم تبدأ أعمال التصوير إلا بعد موافقة البابا، وبعد الاستغناء عن مشهد كان يُفترض أن يخلع فيه القس ملابسه الكهنوتية لأن ذلك لا يصح في المسيحية.
ولا يملك المرء سوى أن يعجب من ازدواجية المعايير هذه، فقد كنت تهاجم رجال الدين وتزج بهم في أغلب أعمالك وتقود تظاهرات إعلامية ضخمة تهاجم فيها الكهنوت الديني ووصاية وهيمنة رجال الدين على الفن والإبداع، حين كان المقصود هو رجل الدين المعمّم، فيما تشارك بنفسك في تأكيد حق الوصاية بذهابك إلى البابا لأخذ تصريح رسمي بالموافقة على تجسيد دور رجل دين مسيحي؟!!. لماذا كانت البطولة والشجاعة والجرأة هناك، والذلة والخناعة والانبطاح هنا؟!.
هل يتعلق الأمر برصدك لموقف السلطة في مصر، وليةُ النعم، من الفيلم على اعتبار أنها تتحسس غاية التحسس من كل ما يتعلق بالكنيسة ورجال الدين الأقباط، ما يعني أنك لا تجرؤ على اتخاذ أية مواقف تستفز السلطة أو تثير سخطها؟!. أم يتعلق بكرهك الشديد لرجال الدين الإسلامي، على رغم أن من بينهم من هم أشد انفتاحا وعصرنة وقبولا ودعما للفن من بعض إخوانهم المسيحيين؟!.
عزيزي عادل إمام، الأفضل لك أن تعتزل الفن والدين والسياسة وأن تقضي ما تبقى لك من عمر، أطال الله في عمرك، في استجمام ذاتي وأن تقرأ في الأمور التي تفتي فيها، أو أن تلتزم الصمت إزاءها، فمن قال لا فقد أفتى.
ولا أخفيك سرا أن الجمهور العربي قد مل من أعمالك، المسرحية منها بصفة خاصة، ومن المشاهد اللاأخلاقية التي تصر عليها معاندا فيها حتى سيرورة الزمن وشيب الرأس الذي لا يكاد يبين فتعمل على إخفائه.
وختاما، لا تتشبث بماض لن يعود وبتاريخ قد انقضى، ودع جيلا آخر يقوم بمهمته كما قمت بها في زمانك، وارحم جموع المستضعفين والفقراء والمعوزين في الأرض من تصريحاتك الصادمة وفتاويك الشاذة. وفي كل الأحوال، لقد كتبت بيدك نهاية مشوارك بانحسارك كظاهرة فنية، وانكسارك كداعم لسلطة نظام فاشل.
0000
انتهى المقال